مجمّع الإمام الخوئي الثقافي في الهند
يعيش في الهند ما يزيد على ثلاثين مليوناً من المسلمين الشيعة، يعاني اكثرهم من الفقر والحرمان من فرص التعليم الديني وغيره، ويواجهون ـ كما يواجه بعض اخوانهم في بلدان اخرى – حملة شرسة من أعداء أهل البيت (ع) وأعداء الاسلام في محاولة لمسخ ثقافتهم والتشكيك في معتقداتهم وابعادهم عن فرص الرقي والنمو الاجتماعي. وبسبب الفقر المدقع لا تزال مئات القرى والمناطق الشيعية وحتى بعض المدن في الهند بلا مساجد أو حسينيات أو مراكز للتعليم، مما يهدد الاجيال القادمة بالضياع، نتيجة عدم وجود المدارس التعليمية ومراكز التثقيف والرعاية الاجتماعية الكافية، كما لا تزال مئات المناطق محرومة من التبليغ الديني لعدم توفر عدد كاف من المبلغين لتغطية المساحات الشاسعة والمتباعدة. وقد شمل المرجع الاعلى الإمام الراحل السيد ابو القاسم الموسوي الخوئي (قده) ملايين المسلمين الشيعة في الهند والباكستان وبنغلاديش والمناطق النائية في الشرق الاقصى بعناية خاصة منذ سنوات غير قليلة، فأنشئت تحت رعايته مئات المساجد والحسينيات وعشرات المدارس الدينية ودور الايتام.
ونظرا للضرورة الملحّة لتربية عدد كبير من المبلغين والمثقفين يعملون على تهيئة الاجيال القادمة وتحصينها كي تكون قادرة على حمل المسؤلية بكفاءة ولياقة لرفع المستوى الثقافي والاجتماعي والديني لابناء تلك الديار، فقد أمر سماحته مؤسسة الإمام الخوئي الخيرية باقامة اضخم مجمّع اسلامي ثقافي اجتماعي في شبه القارة الهندية ليكون الصرح الشامخ والمعقل الحصين والنموذج المثالي لمدرسة أهل البيت (ع) من اجل رفع مستوى الملايين من المحرومين من اتباع اهل البيت (ع) ومن المسلمين.
وبالفعل فقد تم شراء قطعة أرض كبيرة على سفوح الجبال الخضراء، على بعد عشرين كيلومتراً من مدينة بومبي، على الطريق الاستراتيجي الحيوي الذي يربطها بشمال وشرق الهند، حيث تزيد مساحة الارض على مائة الف متر مربع على جانب الطريق الرئيسي لمدينة بومبي ـ پونا، خصصت لاقامة هذا الصرح العظيم. ولقد أحالت "مؤسسة الإمام الخوئي الخيرية" دراسات وتصاميم المجمّع الثقافي في الهند الى مؤسسات عالمية، وكانت النتيجة أن فاز "المركز العالمي للابحاث الفنية" (I.C.T.R) بالمناقصة نظراً لتقديمه افضل المواصفات وبأسعار مناسبة.
وبعد دراسة طالت ثلاث سنوات قام خلالها المهندسون الاستشاريون بجهود مكثفة بدراسة الاوضاع الاجتماعية للسكان وطبيعة المنطقة والمناخ والانظمة من جهة ومتطلبات ابناء الطائفة المحرومين وحاجاتهم الماسة وامكانيات رفع مستواهم الثقافي والاجتماعي من جهة اخرى، وضع الحجر الاساس لهذا الصرح العظيم وذلك في يوم ١٥ شعبان سنة ١٤١٠ للهجرة ، تيمناً بذكرى ميلاد منقذ البشرية المنتظر الإمام المصلح الحجة بن الحسن العسكري عجل الله تعالى فرجه الشريف.
اما تصاميم المجمّع فقد وضعت على النمط المعماري الاسلامي المقترن بالتكنولوجيا الحديثة في الاعمال الانشائية لتعكس عراقة الفن الاسلامي الاصيل النابع عن الفكر العقائدي الرصين المرتبط بالعالم المعنوي العلوي من الناحية المعمارية، وتتضمن التقدم التكنولوجي الحديث المسخر لمواد البناء الاصلية من الحديد والاسمنت في الاعمال الانشائية. والمعروف أن شبه القارة الهندية تعتز بالمباني الاثرية الاسلامية المغولية الشهيرة مثل "تاج محل" و"القلعة الحمراء" و"المسجد الجامع" لذلك فقد اعتمد المصممون في تصاميمهم في هذا المشروع على نمط الساحات الوسطية الكبيرة، كما هي الحالة في المباني التاريخية الاسلامية العظيمة مثل "مدرسة المستنصرية" و"مدرسة چهار باغ" و"تاج محل" ومراقد الائمة الاطهار (ع) في العراق وايران.
يطلّ مجمع بناية المركز على الساحة الكبيرة والمسجد والمباني المحيطة بها، فالمجمعات التاريخية والضخمة عادة ما تتجلى في تصميم المدخل الرئيسي والذي يعبّر عن اهمية المشروع وقد صمّم هذا المبنى على غرار "بوابة الهند" و"بوابة المراقد المقدسة" والمدارس الاسلامية الشهيرة. غير أن هذا المدخل ليس نصباً تذكارياً بلا فائدة، ولا شعاراً معمارياً فقط وانما هو جزء مهم من المجموعة المتكاملة للمجمّع، فقد صمّم على أن يشتمل على دار للضيافة لاستقبال العلماء والضيوف القادمين، تحتوي على عشر غرف كاملة بمرافقها الخاصة. كما تشتمل على قاعة للمؤتمرات الدولية التي تقع في الطابق العلوي من المبنى، صالاتها ومرافقها العامة وجميع متطلبات استخدامها للمراسم والاستقبالات الرسمية والدينية في الاعياد والمناسبات الخاصة. يقع المبنى الرئيسي للمجمّع، في وسط ساحة طولها ثلاثمائة متر وعرضها مائة متر، ويتكون من ثلاثة طوابق.
الطابق العلوي: يرتفع حوالي خمسة أمتارعن سطح الارض وهو المسجد الكبير الذي يتسع لثلاثة الاف مصلٍ تحت قبته والفين في شرفاته المكشوفة، تعلوه قبة كبيرة قطرها خمسة وعشرون متراً مغطى بالقاشاني المصنوع من الصيني الاصيل – لأول مرة في العالم – لقاعة ضخمة مصممة ومطرزة بالنقوش والفنون الاسلامية وتحيط بها اثنتا عشرة قبة صغيرة تعبيراً عن دور الائمة الاثني عشر عليهم السلام في احياء ذكر الله تعالى بالحفاظ على الشريعة المحمدية الغراء.
المدخل الرئيسي: يسمّى "باب فاطمة" ومصمم باستلهام روائع الفن الاسلامي العريق، وهناك أربع مآذن في الاركان، نقشت على إحداها فضائل رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم، اما الأخرى فهي مزخرفة بنقوش تتضمن احاديث وفضائل وصيّه مولانا أمير المؤمنين الإمام علي بن ابي طالب عليه السلام والائمة المعصومين سلام الله عليهم أجمعين.
الطابق الارضي: ويشتمل على قسم المكتبة العامة، والتي لها قدرة استيعاب خمسمائة الف كتاب بقاعاتها الكبيرة ومخازن الكتب، كما تضم القسم الاداري، وقسم الكمبيوتر، والمايكروفيلم، والاستنساخ وغيرها من الاقسام الضرورية، وحتى الكافتريا.
هذا بالاضافة الى إثنتي عشرة غرفة خاصة للباحثين والمحققين والمؤلفين، لتوفير الاستقلال التام والتفرغ للتحقيق والبحث العلمي، وكذلك أربع قاعات متوسطة وكبيرة الحجم للندوات والاجتماعات العلمية، والقسم الاخر من هذا الطابق يشتمل على حسينية للرجال تتسع لخمسمائة شخص ويمكن استخدامها كقاعة اجتماعات عند الضرورة، والى جانبها حسينية للسيدات تتسع لثلاثمائة شخص بالاضافة الى مرافقها العامة ودورات المياه واماكن الوضوء التي تتصل مباشرة بالمسجد عن طريق سلالمها المستقلة.
الطابق السفلي: الذي تبلغ مساحته ثلاثمائة متر مربع مخصصة لغرف الورش ومشاغل المدرسة المهنية وفيها قسم الكهرباء والالكترونيات والكومبيوتر وقسم الحدادة والنجارة والميكانيك وقسم الاعمال اليدوية من رسم ونقوش وتطريز للوحات والاقمشة وانواع الفرش، بالاضافة الى قسم السيراميك والبورسيلان وكذلك المطعم الرئيسي والمطبخ القادر على تأمين طعام الطلاب أو الضيوف. وبالاضافة الى ذلك فهناك مطبعة كبيرة بجميع اقسامها ومتطلباتها لطبع الكراسات التدريسية والكتب التعليمية اللازمة بالاضافة الى نشرات المركز الاعلامية أو غيرها.
القسم الاداري: وهو مكون من ثماني عشرة غرفة على جانب المدخل الرئيسي للمجمّع، خصص للقائمين بالادارة العامة والشؤون الدراسية والمحاسبة وغيرها.
مبرة الايتام: تقع في مبنى مؤلف من ثلاثة طوابق تشتمل على مبرة أيتام لرعاية خمسمائة يتيم من سن الخامسة الى الرابعة عشر، ومدرسة ابتدائية، وقسم كامل للنوم، والمطعم والمطبخ والغسيل، والمصلى، وصالات متعددة الاغراض، والقسم الاداري وغرف المشرفين، والعزل والرعاية الصحية، وكل ما تتطلبه مبّرة حديثة مريحة، وقد أخذ بعين الاعتبار اقامة مدرسة للتمريض، فهناك مدرسة تتسع لمائة وخمسين طالبة مع أقسام للنوم والدراسة والادارة.
المستوصف: خصص الطابق الارضي في المبنى الاداري لمستوصف يشتمل على غرفة الطبيب والفحص والانتظار والصيدلية والاسعاف، للاشراف على الطلبة والمقيمين.
المستشفى: يقع في القسم الشمالي من المبنى الرئيسي، مستشفى كامل يحتوي على مائة سرير وصالتين للعمليات وقسم العناية الفائقة والعيادة الخارجية وقسم الطواريء وقسم الاشعة والمختبر وجميع متطلبات المستشفى الحديث.
القسم الرياضي: يتكون القسم الرياضي لهذا المجّمع من ثلاثة ملاعب لكرة السلّة وكرة الطائرة ومسبح كبير وقاعة للتربية البدنية وغيرها.
قسم الغسيل العام: ضمن الاهتمام البالغ الذي اولاه القائمون على تقديم مختلف الخدمات، فقد تم تخصيص قسم للغسيل يستفيد منه الطلاب والمقيمون في المجمّع. وجهز القسم بالآلات وامكانيات غسل وتجفيف الثياب وغيرها. وتعتبر هذه التسهيلات ضرورية من اجل توفير ما يحتاجه الطلبة من وسائل واجواء تجعلهم منصرفين للدراسة.
خصص في القسم الثاني من الطابق الارضي للمبنى الاداري ليستوعب متطلبات المجمّع، سوق تجاري لتأمين حاجيات هذه المدينة الثقافية لجميع اللوازم من المواد الغذائية والحاجيات اليومية والضرورية للطلاب والمقيمين. وهناك صالة كبيرة جدا لعرض منتجات ورش المدرسة المهنية وتسويقها.
المطعم: للمجمّع مطعم رئيسي في ثلاثة طوابق مع جميع الاقسام التابعة لها من المطبخ وغرف التبريد وخدمات اعداد الطعام والمخازن العامة وغيرها ويمكن لهذا المطعم أن يخدم الفا وخمسمائة شخص في آن واحـد. وقد خصص الطابق الثالث منه للضيافة العامة واستقبال الوفود والاطعام في المناسبات الدينية.
اضافة الى المبنى المركزي في المجمّع، هناك مبنى من ثلاثة طوابق يقع على جانب المبنى المركزي. وقد خصص الطابق الارضي منه لمدرسة مهنية تستوعب خمسمائة طالب بصفوفها النظرية، اما قاعاتها العملية أو مشاغلها وورشها فتقع أمامها في الطابق السفلي من المبنى المركزي.
وأما الطابق الثاني فهو مخصص لصفوف المدرسة المتوسطة بحيث تستوعب في مجموعها خمسمائة طالب ايضاً، كما وخصص الطابق الثالث لصفوف المدرسة الثانوية وسعتها نفس سعة المدرسة المتوسطة.
وبمجموعها قادرة على استيعاب حوالي الف وخمسمائة طالب من المرحلة الابتدائية الى نهاية الدراسة الثانوية، والتي تؤهل خريجيها للانتماء الى المدرسة الحوزوية أو الجامعات الاكاديمية الاخرى.
يتكون مبنى هذه المدرسة من ثلاثة طوابق على الجانب الاخر للمبنى المركزي، وتشتمل على ستة وعشرين صفاً عادياً وست قاعات للمحاضرات الدينية وبحوث العلوم الانسانية، وطابقين لقاعات المطالعة والبحث والامتحانات، والمكتبة الخاصة، بالاضافة الى الاقسام الادارية، وغرف المعلمين، والمطعم، والمرافق الصحية وجميع المتطلبات الاخرى. يتسع المبنى لحوالي الف وخمسمائة طالب للمستويات المختلفة من المقدمات الى السطوح الاولية والسطوح العالية، حسب النظام المتعارف عليه في الحوزات العلمية الدينية. ويحصل حاليا أكثر من ٢٠٠ طالب وطالبة حوزوي تعليمهم في المركز لحين استكمال افتتاح بقية المدرسة.
يتألف مبنى مساكن المعلمين من اربعة ابنية تشتمل على ثمان وأربعين شقة سكنية للاساتذة وعوائلهم، وكل شقة من هذه الشقق تتكون من صالة جلوس وطعام وغرفتين للنوم ومطبخ وصالة وحمامات كاملة، مجهزة بجميع الاثاث والمتطلبات الضرورية للسكن المريح.
تقع على جانبي الساحة الوسطية الرئيسية بنايتان كبيرتان بأربع طوابق تضمن ستمائة غرفة لسكن الطلاب، خصصت كل غرفة لايواء ومنام ثلاثة طلاب. وقد قسمت الى أربعة وعشرين قسما يستقل كل قسم عن القسم الاخر بجميع وحداته ومستلزماته وجميع المتطلبات والضروريات من الأسرّة، والخزائن، ومنضدة المطالعة وغير ذلك، كالمطابخ وغرف الطعام لاعداد الوجبات الخفيفة. هذا بالاضافة الى صالات متعددة للمطالعة، وقاعة لاستقبال الضيوف ومكتبة خاصة والحمامات والمرافق الصحية.
تنبغي الاشارة الى أن اكمال المشروع كان من المقرر أن يستغرق خمس سنوات، حيث كانت قد تمت المباشرة الفعلية بالعمل في شهر ذي القعدة ١٤١٠هـ، الموافق لشهر مايو (ايار) عام ١٩٩٠م، ورغم الصعوبات العديدة فقد استمر العمل فيه بشكل قياسي ملحوظ. لكن بسبب بعض المشاكل السياسية والقانونية التي اعاقت استمرار العمل في هذا المشروع الضخم فقد توقف العمل بعد أن انجز أكثر من نسبة ٨٠٪ منه. لكن العمل يجري على قدم وساق في الوقت الحاضر لاكمال المشروع في المستقبل القريب.